عادت فاطمة من عملها، وهى في طريق عودتها ذهبت إلى المحل المجاور لبيتها، لتشتري لبنا لصغارها، وبينما تخرج من المحل ارتطمت بطفل صغير جاء يجري إلى المحل، فوقع منها اللبن الذي اشترته على الأرض، فأخذت تبكي وتصرخ طويلا، فينما هى كذلك إذ جاءها رجل حكيم، فناداها يا فاطمة: ماذا تنتظرين من بكائك؟ أترجع دموع عينيك هذا اللبن الذي سكب على الأرض، وعندها فهمت الحكمة: لا تبك على اللبن المسكوب.
واقـع مريـر:
ما سبق يتكرر كثيرا في حياتنا، نبكي على كثير من الأمور ونحزن لها، ونريق من أجلها الدموع، ونحمل أنفسنا عددا من الهموم، لأن ذلك حدث، ولن تستطيع أن تعيد!!! فيبكون على لبن مسكوب، لن يستفاد منه بعد سقوطه على التراب.
1) لو أني كنت فعلت هذا الأمر بصورة أخرى لتوصلت إلى حال أفضل؟.
2) كلما أخطأت -قسرًا عني- أبكي وأندم على ذلك!!.
3) سافرت 5 سنوات خارج مصر، غير أني لم أتطور، فندمت كثيرًا على سفري الذي لم أعد منه بفائدة!!
سبحان الله كثيرًا ما نرتكب أخطاءً وحماقات، وتمرّ وتمضي ولا تقف، بينما يقف التفكير عندها، يعيد الذكريات المؤلمة والمؤرقة، مما لا يعود من ورائها الإنسان إلا بشتات فكره وتوتر أعصابه.
لقد كان من رحمة الله تعالى على الإنسان أن رزقه نعمة النسيان «إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما إستكرهوا عليه» وعلى هذا: فالنسيان نعمةٌ ومِنَّةٌ من الله على الإنسان، الذي له من إسمه نصيب، فما سمى الإنسان إنسانًا إلا لكثرة نسيانه.
غير أنَّ هناك كثير من المسلمين يتندمون على ماض ليس لهم فيه دخل، ويضربون أخماس في أسداس، ويعيدون التفكير في الماضي السحيق، والذي لا يمكن لأحد أن يعيده أبدًا، ومعلوم أن لا يجوز العودة للماضي تفكيرًا إلا للتذكرة والعبرة بما يدفع للأمام لا إلى الوراء.
من نسمات القرآن:
قال تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23]، وقال عز شأنه: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]
نفحة نبوية:
ـ عند البخاري في الصحيح: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري» قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلي الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلي الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».
نموذج وعبرة:
عروة بن الزبير -لم يبك على قطع رجله- تصيب رجله الأكلة، وكان لابد أن تقطع، فدخل في الصلاة وقطعوها وهو يصلي، وما شعر بالألم إلا عند وضع الزيت المغلي عليها، فشهق شهقة ثم أغمى عليه.
لكنه رضى وما بكى على ما فات من قطع ساقه، وإسترجع -إنا لله وإنا إليه راجعون- وعوَّضه الله تعالى بما هو خيرا منها: طمأنينة وإيمانا يجد حلاوته في قلبه، بالصبر.
إذا القول قيل أو اللفظ كتب أو الخاطر جال أو الفكر وثب.
فليس يرد القول جهد ولا نصب وليس يعيده الفكر مدمع سكب.
وصية عملية:
ـ لا تبك على ما فات إلا نادمًا ندمًا يدفعك للعمل والإنجاز.
ـ لا ترق دموع العينين على فائت، لا يمكنك إعادته، ووفِّرْهَا لشيء آخر.
ـ بُثّ الأمل في النفوس من حولك.
الكاتب: عادل عبد الله هندي
المصدر: موقع المستشار.